آل الريحاني ليسوا من بقايا الصليبيين

فيما يتعلق بما ذكره الكولونيل فريدريك ج. بيك في كتابه تاريخ شرقي الأردن وقبائلها عن آل الريحاني في الحصن بأنهم "من بقايا الصليبيين في الكرك" فهذا في تصوري الخاص حديث مغلوط، وما يثبت ذلك أن الحملات الصليبية بدأت بين عامي 1096 – 1291، حيث أنه يتعارض مع ما أورده الأستاذ حبيب جاماتي[1] في رواية قصيرة نشرها في سلسلة "تاريخ ما أهمله التاريخ" في مجلة المصور الصادرة في 19 / 2 / 1954م عن دار الهلال المصرية، فيقول:
"في سنة 1115 للميلاد، الموافق لسنة 508 للهجرة، كانت القرى والمزارع الواقعة شرق نهر الأردن في قلق واضطراب، فقد ضاعت فيها السلطات في خلال الحروب التي اقتتل فيها المسلمون من أهل البلاد والصليبيون الوافدون من الغرب.
وأدى قيام دولة أورشليم الصليبية إلى تدفق كثير من اللاجئين على تلك البقاع لبعدها عن ميادين القتال، وعاد الناس هناك إلى نظام القبائل وحياة العشائر، فتخلصوا من حكم أمراء المسلمين في سوريا ولم يخضعوا للأمراء الصليبيين في فلسطين.

ولكن تلك العزلة التي كان سكان الأردن يعيشون فيها، لما تولى بلدوين عرش مملكة أورشليم، لم تدم أكثر من بضعة أعوام، فقد اتجه الملك الجديد بأنظاره إلى تلك الجبال والسهول، بعد أن استقر له الأمر وخلا له الجو، فاعتزم اجتياز النهر وتوغل في بلادٍ كان يجهلها، ولكنه كان يعرف أن فيها مواقع تصلح للتحصين، ومزارع تنتج الحنطة والفاكهة، وأثاراً قديمه قيمه، ومعاقل يمكن تحويلها إلى ملاجئ أمينه في ساعة الخطر.

وكان بلدوين يعرف أيضاً أن وادي عربه يخترق تلك البلاد من الشمال إلى الجنوب وأنه الطريق الذي كانت القوافل في عهد سليمان الحكيم تسلكه إلى شاطئ البحر الأحمر، حيث يقع ميناء أيله بين غابات النخيل عند سفح جبال صخريه تحميه من الرياح.

وعول بلدوين للوصول إلى الميناء القديم، على تشييد الحصون والقلاع في الطريق للإشراف عليه والتحكم فيه. ووقع الاختيار في بادئ الأمر على مكان يدعى الشوبك وكانت لذلك الاختيار أسباب ... فقد وفد على بيت المقدس ذات يوم ثلاثة من سكان الشوبك، وطلبوا المثول بين يدي الملك الإفرنجي فأجابهم إلى طلبهم، وما كان أعظم دهشته عندما انتهى من سماع ما قصه عليه كبير أولئك الثلاثة واسمه "سمعان الريحاني" وكان يخاطب الملك باللغة العربية، وبلهجة سوريه، وكان الملك يفهم اللهجة ويجيد اللغة.

قال سمعان الريحاني:
نحن أيها الملك من نصارى حوران، ننتمي إلى أسرة غسانية أعتنق بعض أفرادها الإسلام منذ فجر الفتح الإسلامي، وبقى بعضهم على دينه، ونحن من هذا الفريق، فقد نزحنا عن موطننا الأول وأقمنا في جبال أدوم شرقي الأردن وفي بلدة الشوبك بالذات. ورحل بعضنا إلى وادي موسى وميناء أيله. ونعيش جميعنا في وفاق ووئام مع مواطنينا المسلمين، ومنهم العرب من الحضر والبدو على السواء، والأكراد والترك والمصريون ولم يحدث قط أن عكر صفو علاقتنا خلاف أو خصام ...."

وبقراءة تاريخ الحملات الصليبية نجد أن ما ذكره الأستاذ حبيب جاماتي نقلاً من الكتب التاريخية لا يتعارض مع مجرى حديثنا، فبلدوين الأول قصد احتلال الشوبك وأقام فيها قلعة مونتريال (قلعة الشوبك) عام 1115م التي ساعده في بنائها سكان البلد أنفسهم من المسيحيين والمسلمين.

وبناءً عليه نستطيع أن نقول بأن ما ذكره الكولونيل فريدريك ج. بيك عن آل الريحاني بأنهم من بقايا الصليبيين هو في تقديرنا، يتعارض مع ما ذكره وأشار إليه حبيب جاماتي من تاريخ وحقائق واقعية.


قلعة مونتريال " الشوبك"



قلعة مونتريال " الشوبك"


قلعة مونتريال " الشوبك"




[1] حبيب جاماتي: (1887 ـ 1968م) صحفي وأديب وروائي ومؤرخ ومجاهد لبناني، كتب التاريخ أديباً وليس مؤرخاً. هاجر إلى القاهرة ليعمل في الصحافة والكتابة والترجمة، ثم رحل إلى فرنسا وأنشأ مطبعة وأصدر جريدة عربية مصورة أسماها "الشهرة" استمرت سنة واحدة، ثم اضطر إلى إغلاقها والعمل مترجماً في وزارة الخارجية الفرنسية، إلى أن قامت الثورة العربية في الحجاز عام 1916م فاتصل بها والتحق بالجيش العربي من سنة 1916 حتى 1918 وصار من أقرب المقربين من الملك فيصل الأول، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى عاد إلى مصر حيث أنشأ جريدة "لبنان الفتى" باللغتين العربية والفرنسية، لكنه اضطر إلى إغلاقها. ثم تنقل بين عدد من الصحف التي كانت تصدر في القاهرة، سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية، حتى استقر به المقام في دار الهلال، وأخذ يغذي صحفها ومجلاتها بمقالاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء الإلتزام بآداب التعليقات واحترام الرأي الآخر